أخبار
نائب رئيس البنك الدولى: مصر تحتاج «خطة مارشال»

كتب- حاتم أبوالنور:
قال نائب رئيس البنك الدولى، مسئول العمليات فى مصر، الدكتور حسام أبودقة، إن الإصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها مصر مؤخراً لخفض عجز الموازنة، جريئة وإيجابية وتبعث على التفاؤل، مطالباً المصريين بالصبر. وأضاف فى حواره لـ«الوطن» أن البنك ملتزم التزاماً كاملاً بتقديم الدعم المالى والفنى الكامل لمصر خلال الفترة المقبلة، متفائلاً بالاقتصاد ومعدلات نموه تحت مظلة رئيس منتخب ديمقراطياً ويحظى بدعم الغالبية. ودعا «أبودقة» فى الوقت ذاته إلى تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى لجذب الاستثمارات وخلق فرص العمل للشباب.. وإلى نص الحوار: ■ ما تقييمكم للاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن بعد خطوات الحكومة لخفض عجز الموازنة؟ – لا شك أن الاقتصاد المصرى شهد تطوراً إيجابياً خلال الفترة الأخيرة بفضل حزمة الإصلاحات الجريئة والإيجابية التى اتخذتها الحكومة لخفض عجز الموازنة وهيكلة منظومة الدعم بما يضمن وصوله لمستحقيه من الفقراء ومحدودى الدخل. وقضية إصلاح منظومة الدعم قديمة، فنحو 25% تقريباً من مصروفات الموازنة كان ينفق على الدعم دون وصوله لمستحقيه ولذلك تطلب الأمر إرادة قوية لاتخاذ خطوات شجاعة من أجل هيكلة المنظومة وتوجيه فارق الإنفاق إلى بنود الصحة والتعليم وخدمات مياه الشرب والصرف وغيرها بما ينعكس إيجاباً على المواطن بالدرجة الأولى، ومجموعة البنك الدولى ترحب بتلك الإصلاحات المهمة، ولذلك فإن البنك يعمل بشكل دورى على تقييم أوضاع الاقتصاد المصرى وتزويد المنظمات والمؤسسات الدولية بمؤشراته أولاً بأول. ومصر حققت مؤخراً معدلات نمو 2.5% ومن المتوقع أن تصل لـ 3.5% بنهاية العام المالى الحالى، ولكنها أيضاً تواجه عدة تحديات، أهمها استدامة تحقيق معدلات النمو تلك والعمل على رفعها واستفادة الجميع منها وخلق فرص عمل للشباب وجذب استثمارات أجنبية ضخمة، ومن الضرورى لمصر أن تعمل على الاستقلال المالى وأن تستكمل إجراءاتها الإصلاحية. ■ كيف تنظر مجموعة البنك الدولى لمصر فى الوقت الراهن؟ – البنك الدولى يدرك تماماً أن مصر تعتبر أهم دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعكس ذلك استضافة القاهرة لأكبر مقرات البنك فى المنطقة، فيعمل بمقر البنك بالقاهرة نحو 80 موظفاً وخبيراً، بحجم محفظة مشروعات مشتركة بلغت 5.5 مليار دولار بإجمالى 27 مشروعاً استثمارياً بكافة القطاعات. ويتوقَّع أحدث تقرير للمرصد الاقتصادى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يبلغ معدل النمو فى المنطقة 4.2% فى المتوسط عام 2015، بزيادة طفيفة على مستواه فى 2013 و2014 ويمكن أن يصل مُعدَّل النمو الاقتصادى إلى 5.2% فى حال زاد حجم الاستهلاك المحلى، وانحسرت التوترات السياسية التى ستؤدى إلى جذب الاستثمارات فى مصر وتونس، واستئناف إنتاج النفط فى ليبيا بشكل كامل. ■ هل تعتقد أن انتخاب رئيس يحظى بدعم غالبية المصريين انعكس إيجاباً على الاقتصاد المصرى؟ – بالرغم من أن البنك الدولى مؤسسة دولية تنموية غير معنية بالشأن السياسى، فإن الاستقرار السياسى والأمنى ضروريان لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وجذب استثمارات أجنبية ضخمة وخلق فرص عمل ملائمة للشباب، والتوجهات التى اتخذتها مصر فى هذا الشأن مهمة للغاية، فوجود رئيس منتخب انتخاباً ديمقراطياً ويحظى بدعم أغلب المصريين كالرئيس عبدالفتاح السيسى، يعد ضمانة لنمو الاقتصاد، ومن الضرورى أيضاً الالتزام باستكمال استحقاقات خارطة الطريق وإتاحة الطريق أمام تشكيل برلمان منتخب، وكل ذلك سيساعد فى جذب الاستثمارات وتحقيق نمو أفضل. ■ هل تعتقد أن مصر فى طريقها لتحقيق معدلات نمو مرتفعة دون توزيع عادل لعوائد النمو كما هو الحال قبل ثورة 25 يناير؟ – حققت مصر معدلات نمو وصلت إلى 7% قبل ثورة يناير، وهى معدلات نمو مرتفعة لكن لم تصاحبها عدالة اجتماعية فى التوزيع، ولا شك أن برنامج الحكومة الاقتصادى يراعى ذلك تفادياً لتكرار أخطاء تجربة ما قبل ثورة 25 يناير، ويدلل على ذلك حالياً إصلاح الدعم بما يضمن وصوله لمستحقيه الحقيقيين وزيادة الإنفاق على قطاعى الصحة والتعليم بشكل ينعكس إيجاباً على المواطنين، فالنمو وحده لا يكفى دون عدالة اجتماعية تشمله. ■ ماذا عن الشراكة «القطرية» للبنك مع مصر؟ – أنا لا أحب أن أدعوها شراكة قطرية، وإنما شراكة استراتيجية بين مجموعة البنك ومصر ولمدة خمس سنوات، ونحن حالياً فى طور الإعداد لتلك الشراكة ونتشاور فى الوقت الراهن مع الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى والمواطنين العاديين لمعرفة أوجه احتياجاتهم لتحديد أولويات إنفاق الحكومة لدعم القطاعات المختلفة فى مصر. وأجرينا أربعة تشاورات حتى الآن بمحافظات القاهرة والإسكندرية وأسوان لتحديد إطار تلك الشراكة، إضافة إلى استطلاع رأى المواطنين من خلال تفاعلهم مع موقع البنك وشبكات التواصل الاجتماعى الخاصة به، فضلاً عن تقييم الخبراء الفنيين للبنك لكافة المشروعات بكافة القطاعات ودراسة مدلولها وبعدها الخدمى والاجتماعى، وحالياً نعتزم إطلاق مشاورات المرحلة الثانية من الشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص فى فبراير وديسمبر 2015، وندرس فى الوقت الراهن دعم إعادة هيكلة السكك الحديدية فى مصر وإشارات السلامة وتطوير المطارات، وعلى رأسها مطار القاهرة، ولدينا مشروعات أخرى فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومياه الشرب والصرف الصحى والصحة والتعليم. ■ ماذا يقدم البنك للمشروعات القومية الكبرى فى مصر وعلى رأسها تنمية محور قناة السويس؟ – مجموعة البنك الدولى مؤسسة تنموية تمويلية وتقدم إلى جانب التمويل النقدى دعماً فنياً لا يقل أهمية فى مجال نقل الخبرات والتوأمة المؤسسية نظراً لخبرات البنك الفنية الطويلة فى كافة القطاعات التنموية بالعالم. وحالياً البنك بصدد تقديم الدعم الفنى وتوفير الخبراء اللازمين للحكومة المصرية بما يضمن مساعدتها فى اختيار أكبر الخبرات الدولية لتنفيذ مشروع ضخم بحجم مشروع محور قناة السويس، إضافة إلى أن البنك يعمل حالياً على تقديم الدعم الفنى لمشروع استصلاح أربعة ملايين فدان والتى أعلن عنها الرئيس السيسى، من خلال إرسال خبراء وفنيين فى مجالات الزراعة ومعالجة مياه الصرف الصحى والمواد الصلبة لمصر خلال الفترة المقبلة لبحث تقديم الدعم لهذا المشروع الحيوى الهام. كما أن الحكومة المصرية قدمت طلباً للبنك للمساعدة فى حل مشكلة الصرف الصحى والنفايات الصلبة فى الدلتا وبالتالى فنحن نعمل على ذلك، ولا شك أن البنك الدولى لديه خبرات وتجارب فنية متراكمة، فلدينا تجارب فى إصلاح منظومة الدعم بماليزيا وإصلاح التعليم فى الصين وكذلك توفير الدعم النقدى والإصلاحات النقدية بدول أمريكا اللاتينية، ولعل أهم ما يدلل على أهمية الدعم الفنى للبنك هو أن أغلب حاجة دول مجلس التعاون الخليجى كالسعودية والكويت والإمارات يقتصر على دعم البنك فنياً نظراً لاكتفاء تلك الدول من توفر النقد اللازم لمشروعات التنمية لديها. ■ ما أبرز التحديات التى تواجه مصر فى الوقت الراهن ومستقبلاً؟ – التحديات كثيرة، أهمها تحقيق حالة من الاستقرار السياسى والأمنى بما يسهم فى تدفق الاستثمارات الأجنبية اللازمة لدفع التنمية وخلق فرص عمل للشباب واستيعاب طاقاتهم، فمن الصعب أن نجد استقراراً تنموياً واقتصادياً دون استقرار سياسى وأمنى ومن الضرورى استكمال خارطة الطريق وإتمام الانتخابات البرلمانية كمكمل لها وخلق جو صحى داخلى فى مصر والاستفادة من الدول التى مرت بمراحل انتقالية فى العالم ومن الضرورى أيضاً إتاحة المعلومات وضمان تدفقها بشكل طبيعى. ■ على صعيد الارتقاء بالتعليم فى مصر والشرق الأوسط.. كيف يسهم البنك فى ذلك؟ – مؤخراً وقعت مجموعة البنك الدولى اتفاقاً مع مجموعة البنك الإسلامى للتنمية لتنسيق جهودهما فى مجال التعليم، بوصفه إحدى أقوى الأدوات فى الحد من الفقر وعدم المساواة وإرساء الأساس لنمو اقتصادى مستدام، بهدف وضع استراتيجيات مشتركة للارتقاء بنظم التعليم والتدريب فى البلدان الأعضاء فى المؤسستين، مع التركيز بصورة رئيسية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفى مصر من الضرورى العمل على الارتقاء بالعملية التعليمية وربطها بمخرجات السوق واحتياجاتها وتحقيق تكافؤ فى الفرص لدى المواطنين كافة، دون تمييز بين من ساعدته الظروف على نيل تعليم أجنبى وآخر لم يستطع، ومن الضرورى أيضاً الاهتمام بالتعليم الفنى فوفقاً لتقارير سابقة للبنك فإن مصر بها وظائف كثيرة بالقطاع الخاص لا تجد من يشغلها بالرغم من معدل البطالة المرتفع. ■ ما تقييمكم لفكرة المؤتمر الاقتصادى المرتقب فى فبراير المقبل؟ – أتفق مع فكرة المؤتمر، فالتوجه العام لجذب استثمارات مرتبط بمشروعات كبرى ستطرحها الحكومة والقطاع الخاص له دور مهم فى توفير فرص عمل ورفع النمو، والبنك سيدعم المؤتمر وأدعو الحكومة لاتخاذ خطوات أكثر لإنجاح المؤتمر ليؤدى الغرض منه من ناحية الاستعانة بخبرات دولية لتنظيم المؤتمر وتوجيه الدعوة لكافة الدول ومنظمات التمويل الإقليمية والدولية للحضور، كما أن إشادة كل من صندوق النقد والبنك الدوليين بتحسن الاقتصاد المصرى ستمنحه مصداقية لدى الجميع بمن فيهم المستثمرون. ■ هل مصر بحاجة إلى نموذج مصرى من خطة مارشال التى أسهمت فى إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؟ – بلا شك، مصر فى حاجة إلى ذلك بالنظر إلى نجاح خطة مارشال على المستوى الأوروبى فى إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن يجب على مصر تحقيق الاستقلال المالى بتخفيض عجز الموازنة والسعى لجذب استثمارات أجنبية ضخمة باعتبار الاستثمارات الأجنبية مؤشراً قوياً على ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى، فضلاً عن كونها المحرك الأول للنمو والقطاع الخاص ملىء بالفرص التنموية الهائلة وقادر على دفع الاقتصاد المصرى قدماً. وهنا يجب أن أشير إلى أن البنك الدولى أوصى بضرورة إتاحة المجال لتكافؤ الفرص بين الشركات الضخمة ذات الارتباطات السياسية مع الأنظمة والشركات الصغيرة والمتوسطة حديثة العهد، حيث تمثل الشركات الناشئة، وتلك الأكثر إنتاجية، المحرك الأكبر لخلق فرص العمل ومن الضرورى تشجيع الأسواق المفتوحة والمنافسة، وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع دون تمييز، وأتوقع أن الجميع متفق على إعادة النظر فى شريحة المستفيدين وتقييم التجربة السابقة لثورة 25 يناير تفادياً لتكرارها. ■ ما خطط وتوجهات البنك حيال مصر فى الفترة المقبلة؟ – فى البداية أؤكد أن البنك الدولى لم يتوقف يوماً عن دعم مصر فى أى فترة من الفترات وحتى ثورة 30 يونيو وقد أعددنا حينئذ استراتيجية مؤقتة لمدة 18 شهراً لدعم مشروعات التنمية فى مصر فى الوقت الذى تردد فيه كثيرون عن تقديم الدعم. والبنك يقدم توصياته لإصلاح الاختلالات الاقتصادية لدفع الاقتصاد المصرى قدماً بتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وسنكون شركاء فى إصلاحات أكثر جرأة فى الاقتصاد المصرى ونعمل دوماً على توفير حلول وبدائل للمشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى ونعمل على نقل خبرات ونماذج مماثلة ناجحة لمصر ولا ننظر لمصر باعتبارها تطلب تمويلاً ولكن ندعمها فنياً، والدعم الفنى له مردود وانعكاس إيجابى لمصر، لا للبنك حيث إن عائدات الدعم الفنى لا تضاهى عائدات القروض التمويلية، وبالتالى فإنى أؤكد أن البنك يعمل لصالح مصر رغبة منه فى القضاء على الفقر وتحقيق التنمية بحلول عام 2030 باعتبارهما هدفين رئيسيين للبنك وأعتقد أن دعم إصلاح التعليم والعمل على الارتقاء به أكثر أهمية من تقديم دعم مالى لإقامة مشروعات البنية التحتية، لا أقول إن إقامة مشروعات للبنية التحتية أمر غير ضرورى ولكننى أنظر إلى إصلاح التعليم على أنه ذو أهمية أكبر وأطول استدامة على المدى الطويل. ■ ما رسالة البنك للمصريين فى المرحلة الراهنة؟ – يجب أن يعلم المصريون أن المراحل الانتقالية تكون صعبة ومصر بدأت فى الاتجاه الصحيح نحو تحسين أوضاع المواطنين من خلال ضمان وصول الدعم لمستحقيه ورفعه عن غير المستحقين واستكمال شبكة الحماية الاجتماعية الضامنة لعدم سقوط المواطنين بدائرة الفقر وإصلاح الاقتصاد والعمل على تحقيق معدلات نمو مرتفعة وخلق فرص عمل للشباب المتعطل، لذا أدعو المصريين كى يكون لديهم الصبر حيال ظهور مردود تلك الإصلاحات وبالتالى أدعو الحكومة لاستكمال إصلاحاتها والعمل على تحفيز الاقتصاد غير الرسمى لتحويله وضمه للاقتصاد الرسمى. ■ ما أبرز مشروعات البنك الحالية فى مصر؟ – حالياً لدينا مشروع قيد الإعداد لتمويل الإسكان لمحدودى الدخل بنظامى التمليك والتأجير، ونعمل فى الوقت الراهن تحديداً على بحث آليات دعم المستفيدين من الشقق والوحدات التى سيتيحها البرنامج نقدياً بما يضمن عدم التلاعب، لأن الدعم فيما سبق كان يذهب للمقاولين، ونستهدف الشباب ومحدودى الدخل كفئة أولاً ونعمل على دراسة السوق العقارية، وتقدير حجم الشقق والوحدات السكنية المشطبة وغير المستغلة، وبالتالى فالحكومة معنية باستغلال تلك الشقق بدلاً من بناء شقق ووحدات سكنية جديدة.



